ظهرت الباطنية في أول القرن الثالث، سنة مائتين وخمسة أو مائتين وعشرة أو قريباً من ذلك.
وهذه الحركة دخلت من مدخل الشيعة فكانوا يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض، كما قال العلماء: يأخذون الإِنسَان، ويقولون له أول مرة: إن جميع الصحابة ارتدوا عن الإسلام إلا الأربعة فقط عَلِيّ وعمار والمقداد وسلمان ويكفرون بقية الصحابة ويقولون: أي: رواية جاءت في القُرْآن أو في السنة لا تصدق بها عَلَى الإطلاق، فيدخل في دينهم، وبعد فترة يقولون له -على تدرج عندهم- حتى هَؤُلاءِ الأربعة مثلهم كمثل باقي الصحابة فيخرج من الإسلام بالكلية ويلقنونه الأصول الفلسفية التي كتبوها والتي أنشأوها، ويسمونها رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، وهي رسائل فلسفية لعقائد فلسفية -من كلام اليونان وأمثالهم- وإلحادية لا تؤمن بأي دين عَلَى الإطلاق، فلما دخلت الباطنية قالوا مجاهرين: بأن النبوة والوحي ليس كما يزعم الأنبياء، وجميع أتباع الأَنْبِيَاء في الدنيا: أن الله عَزَّ وَجَلَّ يرسل رسولاً فيوحي إِلَى الرَّسُول الإنسي بواسطة الرَّسُول الملكي؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ عند الباطنية: مجرد عقل كلي أو العلة الأول -كما سبق معنا إيضاح شيءٌ من ذلك- ويقولون: العقل الكلي يفيض منه العلم عَلَى العقول الجزئية، وهذا هو الذي يسمى وحي عند الباطنية.
ويقولون: النبوة بالاكتساب وبالاجتهاد وبالنظر والعياذ بالله تعالى.

فهم خارجون عن دين الإسلام، وقد استطاعوا أن يخرجوا بعض الْمُسْلِمِينَ من دينهم لما فسروا الوحي بهذه الطريقة واستمر الأمر عَلَى ذلك؛ لكن لم يكن لهم شأن، لأن الأمة في قوة وإيمان.
هَؤُلاءِ الباطنية كفّرَهم الْمُسْلِمُونَ بالاتفاق، ولم يكن هناك أحدٌ يدعي النبوة بإقناع وصدق إلا وهو زنديق أو منافق يطمع في أمور الدنيا، بل إن كثيراً ممن ادعى النبوة كَانَ مجرد هازل ساخر، وتنشر حكاياتهم في أبواب الهزل والسخرية وكتب الأدب ونحو ذلك، لكن في هذه الفترة بدأت الأمور تتعمق أكثر، ثُمَّ ظهر في بقايا الباطنية" الفرقة التي تسمى الأحمدية أو القاديانية".